تشهاد العباس عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم ِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
في شهادته عليه السلام:
أما المقرم فقد اورد في مقتله ذلك باسهاب ص334، وقد اتفق مع الخوارزمي على أن مصرعه (ع) كان متأخرًا، وهذا نصه :
قال العباس (ع): قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين وأريد أن آخذ ثاري منهم. فأمره الحسين (ع) أن يطلب الماء للأطفال، فذهب العباس (ع) ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع، فنادى بصوت عال: يا عمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء، فقد احرق الظمأ قلوبهم وهو مع ذلك يقول: دعوني أذهب إلى الروم أو الهند وأخلي لكم الحجاز والعراق. فأثّر كلام العباس (ع) في نفوس القوم حتى بكى بعضهم ولكن الشمر صاح بأعلى صوته: يابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
ثم انه ركب جواده وأخذ القربة، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطرد أولئك الجماهير وحده، ولواء الحمد يرفرف على رأسه، فلم تثبت له الرجال ونزل إلى الفرات مطمئنًا غير مبال بذلك الجمع. ولما اغترف من الماء ليشرب تذكر عطش أخيه الحسين (ع) ومن معه فرمى الماء وقال:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكونــي
هذا الحســـين وارد المنون وتشـــربين بارد المعين
تالله ما هذا فعال ديني
ثم ملأ القربة وركب جواده وتوجه نحو المخيم فقطع عليه الطريق وجعل يضرب حتى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق وهو يقول:
لا ارهب المـوت إذا الموت رقى حتى أوارى في المصاليت لقى
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقى إني أنا العبـاس أغدو بالـسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
فكمن له زيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فبراها فقال (ع):
والله إن قطعتم يمينـي إني أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين سبط النبي الطاهر الأمين
فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همه إيصال الماء إلى أطفال الحسين وعياله، ولكن الحكيم بن الطفيل الطائي كمن له من وراء نخلة، فلما مرّ به ضربه على شماله فقطعها فقال:
يا نفس لا تخشي من الكـفار وابشري بــرحمـة الجبـار
مع النبي السيــد المختـار مع جملة السادات والأطـهار
قد قطّعوا ببغيــهم يسـاري فأصلهـم يا رب حرّ النــار
وتكاثروا عليه وأتته السهام كالمطر فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته، وسقط على الأرض ينادي: عليك مني السلام أبا عبد الله. فأتاه الحسين وقد استشهد.
لم يبق الحسين (ع) بعد أبي الفضل إلا هيكلاً شاخصًا معرىً عن لوازم الحياة وقد أعرب سلام الله عليه عن هذه الحال بقوله : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي .
وكان الإمام قد تركه في مكانه لسر مكنون أظهرته الأيام وهو أن يدفن في موضعه منحازًا عن الشهداء ليكون له مشهداً يقصد بالحوائج والزيارات وبقعة يزدلف إليها الناس وتتزلف إلى المولى سبحانه تحت قبته التي ضاهت السماء رفعة وسناء فتظهر هنالك الكرامات الباهرة وتعرف الأمة مكانته السامية ومنزلته عند الله تعالى فتؤدي ما وجب عليهم من الحب المتأكد والزيارات المتواصلة ويكون عليه السلام حلقة الوصل فيما بينهم وبين الله تعالى.
ورجع الحسين إلى المخيم منكسراً حزيناً باكياً يكفكف دموعه بكمه وقد تدافعت الرجال على مخيمه فنادى: أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حق ينصرنا، أما من خائف من النار فيذب عنا! فأتته سكينة وسألته عن عمها، فاخبرها بقتله! وسمعته زينب فصاحت: واأخاه واعباساه واضيعتنا بعدك! وبكين النسوة وبكى الحسين معهن وقال: واضيعتنا بعدك!!
نسألكم الدعاء