وقف على الإمام علي بن الحسين عليهما السلام رجل فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه
فقالوا له
نفعل ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول
قال
فأخذ نعليه ومشى وهو يقول
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين
فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً، فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به فقال
قولوا له هذا علي بن الحسين
قال
فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه
فقال له علي بن الحسين عليهما السلام
يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما فيَّ فاستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك فقبّل الرجل بين عينيه وقال بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به
وورد أيضاً أنه قد انتهى الإمام عليه السلام ذات يوم إلى قوم يغتابونه، فوقف عليهم فقال
إن كنتم صادقين فغفر الله لي، وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم
عفو وموعظة
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال
كان بالمدينة رجل بطال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه، يعني علي بن الحسين(عليه السلام)
قال
فمرّ علي (عليه السلام) وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته ثم مضى، فلم يلتفت إليه علي(عليه السلام)، فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال لهم: من هذا؟
فقالوا له: هذا رجل بطّال يضحك أهل المدينة
فقال قولوا له
إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون
خدمة الرفقة
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال
كان علي بن الحسين (عليه السلام) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم: أتدرون من هذا؟
قالوا
لا
قال
هذا علي بن الحسين عليهما السلام
فوثبوا فقبلوا يده ورجله وقالوا: يا بن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم، لو بدرت منا إليك يد أو لسان، أما كنا قد هلكنا آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا؟
فقال
إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (صلى الله عليه و آله) ما لا أستحق، فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إليّ
مع الفقراء
روي أن الإمام زين العابدين عليه السلام
كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه، ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه
فلما توفي عليه السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنه كان علي بن الحسين عليه السلام ولما وُضع عليه السلام على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين
وعن الإمام الباقر عليه السلام انه قال
لقد كان علي بن الحسين عليهما السلام يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان لهم منهم عيال حمله إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله
الرفق بالحيوان
قال الإمام الباقر عليه السلام
لقد حج الإمام زين العابدين عليه السلام على ناقة له عشرين حجة فما قرعها بسوط، فلما توفت أمر بدفنها لئلا تأكلها السباع
في عبادته عليه السلام
أفلا أكون عبداً شكورا
أتت فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلى جابر بن عبد الله فقالت له: يا صاحب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إن لنا عليكم حقوقاً، ومن حقنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين (عليه السلام) بقية أبيه الحسين (عليه السلام) قد انخرم أنفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه، أذاب نفسه في العبادة
فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه، قد أنصبته العبادة، فنهض علي (عليه السلام) فسأله عن حاله سؤالاً خفياً، أجلسه بجنبه ثم أقبل جابر يقول: يا بن رسول الله، أما علمت أن الله خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟
فقال له علي بن الحسين عليه السلام
يا صاحب رسول الله، أما علمت أن جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبّد هو بأبي وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً
فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول، قال يا بن رسول الله، البقيا على نفسك، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء، وتستكشف اللأواء، وبهم تستمسك السماء فقال «يا جابر، لا أزال على منهاج أبوي مؤتسياً بهما حتى ألقاهما
فأقبل جابر على من حضر فقال لهم: ما رئي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين (عليه السلام) إلا يوسف بن يعقوب(عليه السلام)، والله، لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف
نسألكم الدعاء